القطاع التجاري بصنعاء يئن تحت ممارسات الحوثيين القمعية (تقرير خاص)

القطاع التجاري بصنعاء يئن تحت ممارسات الحوثيين القمعية (تقرير خاص)

يواجه التجار في العاصمة المختطفة صنعاء ضغوطًا متزايدة من قبل سلطات جماعة الحوثي الإرهابية التي تواصل فرض قوانين جائرة على القطاع التجاري، والنظر إليه كأحد أبواب التربح والسطو على أموال اليمنيين.

وتشمل الإجراءات القمعية التي يقوم بها الحوثيون تحديد أسعار السلع بأسعار تقل عن قيمتها الشرائية، ما دفع العديد من التجار إلى الإفلاس أو إغلاق محلاتهم، وسط تصاعد الأوضاع الاقتصادية سوءًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.

 

حملات قمعية ميدانية

 

تزايدت في الآونة الأخيرة الحملات الميدانية التي تقوم بها وزارة الصناعة والتجارة التابعة لجماعة الحوثيين، حيث يتم إجبار التجار على خفض أسعار السلع إلى مستويات أقل من تكلفتها.

يقول علي ناصر: "تأتي فرق التفتيش أسبوعيًا إلى محلاتنا، تفرض تسعيرات غير واقعية دون مراعاة لفواتير الشراء أو تقلبات السوق. وعندما نحاول الاعتراض، تُقابل مطالبنا بالتجاهل أو التهديد".

ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن هذه الحملات لم تتوقف عند فرض تسعيرات مجحفة، بل شملت أيضًا تهديد التجار بالاعتقال وإغلاق محلاتهم في حال رفضهم الانصياع للأوامر. 

وتؤكد مصادر مطلعة أن هذه السياسات تأتي ضمن مخطط تتبناه جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية ويهدف إلى ابتزاز التجار وزيادة الجبايات.

 

الإغلاق القسري خيار أخير

 

مع استمرار الضغوط الحوثية على التجار في العاصمة المختطفة صنعاء، وممارساتها القمعية ضد الأنشطة التجارية اضطر العديد من التجار إلى إغلاق محلاتهم، والبحث عن مصادر دخل أخرى بعيدا عن بطش سلطات الجماعة.

نبيل الهمداني (30 عاما)، أحد المتضررين، يؤكد أنه أغلق محله وانتقل إلى السعودية بحثًا عن مصدر رزق جديد، وذلك بفعل السياسات القسرية والضغوط المالية الناتجة عن فرض تسعيرات إلزامية واستمرار فرض الغرامات وإشعارات الإغلاق المتكررة. 

يقول الهمداني في حديثه لـ"المجهر" أنه خسر أكثر من مليوني ريال بالعملة القديمة خلال عام واحد بسبب التسعيرات الإلزامية والغرامات المتكررة. لافتا إلى أنه أصبح يفضل الاغتراب قسرًا كونه الخيار الوحيد.

وبحسب الهمداني فإن الرقابة الحوثية تُمارَس بعنف مفرط، حيث تعرض العديد من زملائه في العمل إلى إجراءات مشابهة، مما يهدد بقاء القطاع التجاري بأكمله.

 

أساليب نهب ممنهجة

 

تستهدف جماعة الحوثيين التجار بجميع مستوياتهم، من كبار التجار إلى صغار الباعة، بما في ذلك أصحاب الأفران، حيث تتنوع أساليب الابتزاز بحق التجار لإجبارهم على دفع الأموال لصالح سلطات الجماعة بشكل مستمر.

 مالك أحد المخابز في صنعاء يشير إلى أنه يُجبر على البيع بتسعيرة ثابتة منذ عام 2022 رغم تقلب أسعار الدقيق والديزل، مما يعرضه وغيره من مالكي الأفران إلى خسائر مالية فادحة كون تسعيرات الحوثيين تتجاهل تمامًا التكاليف الفعلية للشراء.  

يقول المالك: "تكاليف إنتاج الخبز مرتفعة جدًا، ومع ذلك نحن ملزمون بتسعيرة لا تغطي التكاليف". لافتا إلى أن همه الوحيد هو "التخلص من إشعارات المخالفات والديون المتراكمة".

فيما يشير تجار آخرون في صنعاء إلى أن الجماعة تعتمد على ذرائع مختلفة لنهب الأموال، بما في ذلك فرض غرامات تعسفية وإجبار التجار على دفع تكاليف إضافية مثل أجور عناصر التفتيش والإقامة في السجون.

ويؤكد التجار أن عشرات الأفران أغلقت أبوابها في صنعاء وضواحيها، مما أدى إلى تدهور الوضع المعيشي وزيادة معاناة المواطنين.

إلى ذلك، يوضح علي ناصر: "حتى عند احتجازنا، يتم فرض رسوم يومية بقيمة 2000 ريال عن كل ليلة نقضيها في السجن". مشيرا إلى أن من أبرز السلع المستهدفة بهذه السياسات: الأرز، الدقيق، السكر، والزيت.

 

أهداف حوثية خفية

 

يُفسر المحلل الاقتصادي وحيد الفودعي في حديثه لـ"المجهر" هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى تعزيز سيطرة الحوثيين على الأسواق وكسب تعاطف الفئات الفقيرة على حساب التجار. 

ويضيف: "هذه السياسات تعكس غياب فهم لآليات السوق وتجاهل التكاليف الفعلية للسلع، مما يؤدي إلى تدمير القطاع الخاص وتقويض النشاط التجاري".

الفودعي يرى أن هذه الممارسات تمثل جزءًا من استراتيجية الحوثيين لإبقاء الاقتصاد المحلي تحت سيطرتهم الكاملة، مما يمنحهم نفوذًا إضافيًا على المجتمع ويضمن لهم مصادر تمويل جديدة.

تُظهر هذه السياسات الممنهجة أن جماعة الحوثيين تسعى لتجريد القطاع التجاري من استقراره، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإذا استمرت هذه السياسات القمعية، فإن مستقبل القطاع الخاص في اليمن يبدو قاتمًا، مع احتمالية تصاعد موجات الإفلاس والهجرة القسرية، وفق مراقبين.