الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

مدينة التربة.. تجربة رائدة في احتواء رأس المال المحلي واستيعاب النازحين

مدينة التربة.. تجربة رائدة في احتواء رأس المال المحلي واستيعاب النازحين

تقرير خاص

يستطيع الزائر لمدينة التربة أخذ صورة ملخصة عن محافظة تعز.. هذه المدينة التي تحولت خلال سنوات الحرب الماضية إلى قِبلة للنازحين، وكبار المستثمرين والتجار، الأمر الذي ساهم في تحديث ملامح المكان والتوسع العمراني فيها، وتوسيع دائرة النشاط الاقتصادي واستمرار الحركة التجارية، وكل ذلك يصب في صالح تمدن المجتمع وهو الأهم.

كثيرة هي الأسباب والعوامل التي تقف خلف نهضة تربة تعز، وانتعاش النشاط التجاري خلال السنوات الماضية، خصوصا مع استمرار حصار مليشيات الحوثي لمنافذ مدينة تعز الرئيسية.

في المقابل يعتقد كثيرون أن التطور المتسارع لمدينة التربة، يعود بالفائدة لصالح المجتمع المحلي، وقد حاول موفد "المجهر" رصد العديد من إيجابيات هذا التوسع، أثناء نزوله الميداني، ومروره بالعديد من الأسواق والمراكز، والتحدث مع التجار والمستفيدين، إلى جانب أخذ وجهات نظر عدد من الناشطين في المدينة.

كما قام "المجهر" برصد أهم القطاعات التي شهدت توسعا كبيرا في مدينة التربة، محاولا البحث عن إجابات لكثير من الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن، مع مسؤولين في السلطة المحلية، ومراقبين محليين.

اتجاه اجباري

حتى نضع القارئ في الصورة لا بد من لمحة سريعة لتسلسل الأحداث المتلاحقة بداية من اجتياح الحوثيون لمحافظة تعز، ومحاصرة وإغلاق منافذها وفي المقدمة طريق الحوبان الذي يصل المدينة شرقها بغربها .

حيث تحولت إلى منطقة حرب دامية، وساحة للمعارك المستمرة والقصف اليومي المتواصل الذي يطال في الغالب المنازل والأسواق المكتظة بالسكان ويروح ضحايا كثير من المدنيين، مرورا بتحول عدد من المناطق إلى كومة خرابة لما لحق بها من دمار، وصولا إلى التسبب بشلل النشاط التجاري والصناعي في المدينة، نتيجة توقف عشرات المصانع المحلية عن الإنتاج مع اشتداد وتيرة المعارك الدائرة وسط تعز، كما أغلقت العديد من مراكز التسوق والمحلات التجارية أبوابها، وشهدت المدينة حملة نزوح لرؤوس الأموال خوفا من الحرب.

وقد لجأ العديد من التجار والمستثمرين إلى البحث عن مناطق آمنة في تعز، فهذا "علي المقطري" ، تاجر ملابس قام بنقل بضاعته من مدينة تعز إلى ريف التربة التابعة إداريا لمديرية الشمايتين، نظرا لتوفر الأمن والاستقرار، إضافة إلى أن التربة صارت شريانا تجاريا لتعز، باعتبارها الخط الوحيد الذي يربط المدينة بالعاصمة المؤقتة عدن.

يقول المقطري في حديثه لـ "المجهر": "بعد إغلاق خط الحوبان، وتوقف النشاط التجاري بتعز، نقلت جميع المراكز التجارية إلى مدينة التربة لأنها مستقرة، وبعيدة عن الحرب والمعارك.. حيث توسعت تجارتي خلال السنوات الأخيرة، وهناك إقبال وحركة مستمرة في السوق".

وعند الحديث عن العوامل التي ساعدته في توسيع تجارته في التربة يجيب المقطري، أن توسع التجارة ناتج عن استقرار البيئة أولا، وكونها أصبحت شريان تعز التجاري، إضافة إلى النشاط اليومي وتوفر البضاعة في السوق وما خلقته السيولة النقدية نتيجة صرف رواتب الموظفين بشكل منتظم، وعوامل كثيرة ساهمت في توافد كثير من النازحين إلى المنطقة.

من جهته يرى عارف الدهمشي، مالك محل تجاري، بأن انتعاش الحركة التجارية بمدينة التربة يرجع إلى كونها بعيدة عن صراعات الحرب، ناهيك إلى توفر البيئة الصالحة للاستثمار والتجارة وهو ما جعلها تتمتع بنشاط تجاري كبير.

ويضيف الدهمشي أن عشرات التجار النازحين، جاءوا من المناطق المجاورة ومن مختلف المدن والمحافظات لبناء مشاريعهم الخاصة، بما في ذلك الاستثمار العقاري والمتاجرة الحرة.

واستطرد قائلا: "سابقا كان إيجار الشقة في منطقة التربة يصل إلى 10 ألف، بينما اليوم يزيد عن الـ 100 ألف ريال.. وهذا الارتفاع يعود إلى زيادة نسبة النازحين، والتطور العمراني الذي حدث في مديرية الشمايتين خلال السنوات الأخيرة".

الاستقرار الأمني سر النهوض

على مدى ثمانية أعوام من الحرب، كانت وما زالت مدينة التربة موطنا للنازحين، حيث بات يسكنها ما يزيد عن نصف مليون نسمة، وهذا الاقبال المتزايد هو نتيجة طبيعية لما شهدته المدينة من ازدهار واسع في جوانب مختلفة.

وهذا ما أكده مدير عام مديرية الشمايتين عبدالعزيز الشيباني، حيث ذكر في حديثه لـ"المجهر" أن التربة أصبحت مآل وملجأ لمئات المدنيين منذ انقلاب ميليشيا الحوثي، في العام 2015، سواء من مديريات تعز أو غيرها من المحافظات المجاورة.

اليمن: حصاد يناير.. مليشيا الحوثي تفتتح العام بانتهاكات مهولة “تقرير خاص”

وأضاف الشيباني أن كثير من المواطنين وجدوا أنفسهم مضطرين للهروب ولجأوا للنزوح إلى مدينة التربة خلال السنوات الماضية ما جعل التوسع العمراني ضرورة ملحة لاحتواء الكم الهائل من النازحين، إلى جانب توافد رجال الأعمال والتجار، الأمر الذي أحدث توسعا عمرانيا متسارعا وخلق رغبة لدى الكثيرين باستئجار الأراضي واستثمارها.

وخلال تلك الفترة قام المستثمرون في الجانب العقاري ببناء العديد من المباني لا سيما الكبيرة منها، وبالتالي توسع النطاق العمراني للمدينة، وأصبحت متصلة بالعزل والمناطق القريبة، مثل (شرجب، ذبحان، بني غازي، الأصابح، وأديم وغيرها) نتيجة للتطور العمراني الكبير وهو ما زاد من حجم النشاط التجاري، الأمر الذي يراه المدير الشيباني عاملاً رئيسيا في استقرار مدينة التربة.

بما أن طريق التربة حاليا هي الخط الرئيسي الذي يربط العاصمة المؤقتة عدن بمديريات تعز المحررة، فقد جعل ذلك منها محطة لتوافد المستثمرين .

حيث يعتقد الناشط المجتمعي سامي الأكحلي، أن ذلك يعد أهم أسباب تزايد حجم النشاط الاقتصادي والعمراني في المدينة، بعد توافد العديد من الأسر القادمة من مديريات تعز وكذلك محافظة الحديدة وغيرها من المدن اليمنية.

وذكر الأكحلي في حديثه لـ"المجهر" أن "هذا التوافد والازدحام السكاني شكل دافعا كبيرا لدى التجار لنقل استثماراتهم من المناطق التي تعاني الحرب وعدم الاستقرار الأمني أو المضايقات الذي يؤثر سلبا على الحركة الاقتصادية".

مضيفا أن الاستقرار الأمني، يعد واحد من العوامل التي حفزت الناس على البقاء في مدينة التربة، ما أدى إلى ارتباط الناس بالاستثمارات، واقبالهم على شراء العقارات وبناء المنازل.

وأشار الأكحلي إلى أن العديد من سكان المناطق المجاورة، بما فيهم المحرومين من الخدمات الأساسية مثل المدارس والجامعات والمرافق الصحية والكهرباء والمياه، فضلوا الانتقال إلى مدينة التربة الاستقرار نظرا لتوفر الخدمات اللازمة التي يحتاجونها.

التربة.. نشاط تجاري مستمر

بفعل موجة النزوح، وبُعد المنطقة عن المعارك مع مليشيات الحوثي، فقد استقر التجار في التربة، وتوسعت معها الحركة التجارية لتشمل المناطق المحيطة، الأمر الذي جعل مدينة التربة مركزا رئيسيا للتجارة في مديرية الشمايتين الواقعة في الجهة الجنوبية من المحافظة.

ليس هذا فحسب، فالبعد الجغرافي للمنطقة يجعل النشاط التجاري مستمرا فيها ولن ينتهي بانتهاء الحرب، نظراً لوجودها على الخط الرابط بين تعز وعدن، من خلال التركيز على البُعد الحيوي الذي تمثله المدينة باعتبارها شريانا رئيسيا لتغذية مدينة تعز.

وفي هذه الجانب قال مدير عام مديرية الشمايتين عبدالعزيز الشيباني: "إذا انتهت الحرب، أو دخلنا في تحرير أو تصالح مع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، بالتأكيد ستبقى التربة مدينة حاضرة؛ لأن هؤلاء التجار أصبح لديهم أنشطة تجارية تعود عليهم بالأرباح.. لذا من الصعب مغادرة المنطقة".

وأوضح الشيباني في حديثه لـ"المجهر" أن "الكثير من التجار اشتروا أراضي في مدينة التربة بمقابل مبالغ كبيرة، ولن يستغنون عنها او يقللون من سعرها، كما لن يقوموا بتغيير نشاطهم التجاري".

مشيرا أنه في حال جرى إعادة فتح منفذ الحوبان فستظل طريق عدن التربة مفتوحة، كخط رسمي للأعمال التجارية في المنطقة والنازحين الذين استقروا فيها بشكل نهائي، إلى جانب التجمعات السكانية الكبيرة التي من شأنها إنعاش الحركة التجارية بصورة مستمرة .

الوافدون والمجتمع المحلي

توضح الصور التي التقطتها عدسة "المجهر" مدى توسع دائرة النشاط التجاري في أسواق التربة، وحجم انتشار المشاريع الخاصة بالتجار والمستثمرين.. وهو ما ساهم بتوفير كثير من فرص العمل للشباب من أبناء التربة والمناطق المجاورة، وعشرات النازحين، سواء في التجارة والصناعة أو في البناء، ما جعل نسبة البطالة تتراجع مقابل زيادة الحركة واستمرارية العمل.

وبالرغم من ذلك إلا هناك كثير من السلبيات التي تحدث عنها الأهالي، والناتجة من توافد نازحين مع تعدد واختلاف مناطق النزوح، الأمر الذي قاد الجميع إلى الاختلاط، وظهور جرائم لم تشهدها الشمايتين من قبل، إضافة إلى زيادة مشكلات النوع الاجتماعي.

إذ أن هذه الاشكاليات تتعلق بالفجوة الحاصلة نتيجة الانتقال من البيئة الريفية إلى بيئة ذات طابع حضري، وعدم تقبل المجتمع للتغيير المفاجئ، ما يفسر انتشار الظواهر الاجتماعية غير المناسبة، وظهور جرائم جديدة، ناتجة عن المجتمع الوافد، بحسب مراقبين.

اليمن: تفاصيل مثيرة عن قوات “درع الوطن” وقائدها بشير المضربي “تقرير خاص”

وبهذا الشأن تحدث الناشط سامي الأكحلي عن جملة من سلبيات التوسع في مدينة التربة، مشيراً بالقول: "محكمة التربة تشهد اليوم، ارتفاعا كبيرا في حجم القضايا المتعلقة بالنزاعات على الأراضي، بعدما كانت القضايا محدودة في المحكمة".

وأوضح الأكحلي أن "الأزمة الاقتصادية قادت عشرات السكان المحليين إلى بيع ممتلكاتهم من الأراضي والعقارات لصالح تجار نازحين، ما تسبب بارتفاع أسعار الأراضي، وإيجار المباني والشقق السكنية".

الاهمال حكومي للمشاريع الخدمية

لأن التربة صارت مدينة التجارة والاستثمار في زمن حصار ميليشيا الحوثي لتعز، فقد تضاعفت الإيرادات الضريبية لمديرية الشمايتين خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب مدير المديرية، عبدالعزيز الشيباني، فإن إجمالي موارد الشمايتين، في عام 2014، وصلت إلى 13 مليون، بينما بلغت الإيرادات المحلية والمشتركة لعام 2022 نحو 520 مليون ريال، وبالتالي تصنف موارد الشمايتين، وإيراداتها الضريبية من أعلى النسب بمحافظة تعز، خصوصا ضرائب القات التي ترتفع بشكل ملحوظ ومستمر.

ويفيد الشيباني، أن هذه المبالغ يجري توريدها شهريا لتذهب الحصة الكبرى منها إلى خزانة الدولة، بينما تحصل التربة على نسبة بسيطة منها، ضمن حصتها من البناء التنموي والبنية التحتية، بهدف تطوير المدينة بمختلف احتياجاتها من المستشفيات والجامعات وغيرها من القطاعات المهمة.

فعلى الرغم من التوسع العمراني وزيادة الحركة التجارية وتوفر بيئة خصبة لعمل المنظمات، إلا أن هذا التطور لم ينعكس أثره على مدينة التربة ومشاريعها التنموية والخدمية.

من جانبه ذكر الناشط سامي الأكحلي أن "إيرادات الشمايتين تذهب إلى تعز ولا تعود، يجري توريدها مركزيا إلى المحافظة، بينما المدن الثانوية مثل التربة تبقى في زاوية النسيان والإهمال الحكومي" مشيرا إلى إيرادات التحسين والضرائب لا تعود بالفائدة على مدينة التربة التي ما زالت تعاني من أزمة المياه، ومشكلات تكدس القمامة والمجاري.

وبحسب الناشط موسى المقطري، وهو مالك محل تجاري، فإن التوسع العمراني والتجاري في مدينة التربة لم يرافقه أي توسع في مجال المشاريع والخدمات الحكومية، التي قال أنها "عادت إلى الأسوأ".

وأضاف المقطري في حديثه لـ"المجهر" أن "المنطقة تفتقر للكهرباء الحكومية، والمياه، والاتصالات، وغيرها من السلبيات التي تؤخذ على الحكومة الشرعية لعدم منحها الاهتمام والرعاية، بما يتناسب مع التوسع الحاصل، والأهمية السياسية والعسكرية للمنطقة".

يتفق كثير من الأهالي بأن السلطة المحلية لم تستغل الزخم التجاري وكذلك تواجد المنظمات لصالح ببناء وتطوير البنية التحتية في مدينة التربة، وإنشاء مشاريع خدمية، ناهيك عن غياب مخططات الوحدات السكنية، ومخطط وحدات الجوار في تربة تعز، الأمر الذي يؤدي إلى عشوائية التوسع العمراني، إضافة إلى عمليات نهب وسطو المجتمع المحلي لأراضي الدولة.