تحقيق خاص- أحمد الجبيحي
تعيش جماعة الحوثي في دائرة من الصراعات التي لا تنتهي بفعل تكونيها القائم على التمييز العنصري ورفض التعايش مع الآخر باعتباره خطرا على وجودها، ما يجعلها تختلق كل الذرائع من أجل تدميره واقصاءه.
وانطلاقا من هذه الزاوية، شرع الحوثيون إلى تكثيف صراعاتهم مع قبائل طوق صنعاء الممتدة إلى محافظة عمران، وكذلك قبائل ذمار والبيضاء والجوف وصولاً إلى محافظة صعدة معقل الجماعة، إلى جانب صراع القيادات الحوثية مع بعضها البعض على المصالح والنفوذ حيث يسعى كل جناح إلى فرض هيمنته على الجناح الآخر.
بوابة الصراع
منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014م، ظلت تسعى إلى بسط نفوذها على التكوينات القبلية بشكل أوسع من أجل الهيمنة عليها وتقزيم دورها القبلي، وتوسعت دائرة الصراع بعد تخلص الجماعة من شراكتها مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وإزاحته من المشهد في ديسمبر 2017م.
وفي سبيل خدمة مشروعها الطائفي، سلمت جماعة الحوثي مهمة حشد المقاتلين من أبناء القبائل إلى بعض المشايخ ممن قامت بإعدادهم لهذا الغرض بعدما عمدت إلى تهميش كثير من المشايخ والوجهاء القبليين.
وحول هذا الجانب قال الشيخ جمال المعمري، إن " جماعة الحوثي لا تمتلك أي عمل مؤسسي لتجهيز الكشوفات واتخاذ الإجراءات الإدارية فيما يخص مجلس شؤون القبائل".
وأوضح الشيخ جمال المعمري في حديثه لـ"المجهر" أن بعض مشايخ القبائل تتقاضى مبالغ مالية من قبل قيادات في جماعة الحوثي، في حين تركت المجال للمشايخ المحسوبين عليها من أجل تجنيد وحشد المقاتلين إلى الجبهات.
كما أضاف أن بعض الشخصيات القبلية يتم تعيينهم كمشرفين على المناطق والمربعات التي يسيطرون عليها، بهدف الاستيلاء على الممتلكات الواقعة في نطاق إشرافهم سواء في القرى والمناطق الريفية أو في المدن بحاراتها ومربعاتها.
واعتبر الشيخ المعمري، أن " الصراع الحاصل في مناطق القبائل يتعلق بصراع الأجنحة في أوساط قيادات جماعة الحوثي، والذي ينتهي غالبا بتصفية وجهاء ومشايخ قبليين على يد قيادات حوثية كما حدث مؤخرا في عمران".
ويعد جمال المعمري أحد مشايخ قبيلة عيال يزيد في محافظة عمران شمال اليمن، وقد تعرض للتعذيب الوحشي في سجون ميليشيات جماعة الحوثي، ما تسبب له بإعاقة دائمة نتيجة تضرر عموده الفقري، قبل أن يتم الافراج عنه في عام 2018م بعد مرور عامين على اختطافه.
النفوذ القبلي
يرى مراقبون أن السبب في تدهور دور القبيلة اليمنية يرجع إلى استغلال الحوثيين لأدوات الصراع في أوساط القبائل بما في ذلك من عمليات استقطاب وتقوية نفوذ قبيلة على حساب أخرى.
إذ لم تكتف مليشيات جماعة الحوثي بمجرد الاستعانة بمشايخ القبائل الموالين لها، وقامت بكسب ولاءات قبلية جديدة من أجل استغلالها في خدمة مشروعها الطائفي، إلى جانب دعم مشايخ قبليين على حساب آخرين تقوم باستبدالهم.
ومنحت الجماعة المشايخ الموالية لها صلاحيات لا بأس بها في بداية الأمر لدى انطلاقها من محافظة صعدة ثم محافظة عمران وصولاً إلى العاصمة صنعاء وذلك بغرض استخدامها في إسكات الأصوات الصادرة عن القبائل المعارضة لها.
إلا أنها قامت بتقليص صلاحياتهم فيما بعد، وجعلت مهامهم محدود بما يخص بتجنيد وحشد المقاتلين من أبناء القبائل، ومقابل ذلك منحتهم مخصصات مالية بسيطة إلى جانب تغاضيها عن العبث والبطش الذي يمارسوه بحق المواطنين والمزارعين في القرى والمناطق القبلية باسم هذه الجماعة الميليشاوية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكر مصدر قبلي – فضل عدم ذكر اسمه – أن جماعة الحوثي كان لها دور في دعم وتمكين الشيخ فارس الحباري، بعد وفاة والده الذي كان يعد أحد المشايخ البارزين في مديرية أرحب.
وقال المصدر في حديثه لـ"المجهر" إن "والد الشيخ فارس الحباري كان له مكانة اعتباريه في قبيلته، وبعدما توفي تم تعيين ولده مكانه، وساهم الحوثيين في تعزيز نفوذه وبذلك تمكنوا من كسب ولاءه والسيطرة على قبيلته".
بناء التحالفات
بدأ التحول الكبير في علاقة جماعة الحوثي مع القبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء بعد معركة الميليشيات مع القوات الموالية للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في ديسمبر عام 2017م، حيث شرعت الجماعة إلى عمل فرز للقبائل بين حليف وعدو على أساس الولاءات التي كشفتها هذه المعركة.
من يومها، ركزت جماعة الحوثي اهتمامها بشكل كبير على تأثير القبائل المحيطة بصنعاء واستشعرت خطورة دور القبيلة على كيانها في تغيير المعادلة السياسية والعسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ولجأت هذه الجماعة الميليشاوية إلى استخدام أساليبها الإجرامية في إخضاع مشايخ القبائل لسلطتها بقوة السلاح بما في ذلك تفجير منازل خصومها وتنفيذ عمليات اغتيالات طالت عددا من المشايخ والوجاهات ممن وجدتهم حجر عثرة أمام توسع نفوذها.
وعن مؤشرات هذا التحول، أوضح شيخ قبلي – تحفظ عن ذكر اسمه لدواعي أمنية – أن "جماعة الحوثي تحركت بعد مقتل علي عبدالله صالح، باتجاه المشايخ المؤثرين لإحكام قبضتها على القبائل".
وأضاف أن الحوثيين قاموا بتفجير منزل الشيخ مبخوت المشرقي، حينها، في منطقة خمر بمحافظة عمران كونه من كبار المشايخ في المنطقة وأحد أنساب الرئيس صالح.
وكشف المصدر القبلي لـ"المجهر" أن "الشيخ المشرقي كان من أبرز القيادات التي ساهمت في دخول الحوثيين إلى عمران ثم العاصمة صنعاء، ويقف من خلفه الشيخ محمد يحيى الغولي، والشيخ علي جليدان، والشيخ أمين عاطف.. وآخرون".
اقرأ أيضا: طور الباحة ”مثلث الموت“.. كيف ضاعفت نقاط الجبايات معاناة المواطنين «تحقيق خاص»
وفي منتصف العام 2019م، قامت ميليشيات الحوثي بمحاصرة منزل الشيخ مجاهد قائد الغولي، شمال عمران والذي يعد هو الآخر ضمن المساهمين في تسهيل دخول الحوثيين إلى عمران وصنعاء وممن انخرطوا معهم في القتال والحشد للجبهات.
وبيّن المصدر القبلي ذاته أن الحصار جاء نتيجة خلافات مع قيادات حوثية على أساس عنصري، لعدم تقبّلها وجود قيادات قبلية منافسة لها ذات حضور بارز ولها ثقلها، حيث تعتقد الجماعة أن هذه الامتيازات مخصصة بالدرجة للقيادات من أبناء صعدة.
وأضاف أن معارك شرسة اندلعت، خلال فترة الحصار، بين مسلحين يتبعون الشيخ الغولي وعناصر حوثية من أبناء صعدة يتقدمهم مدير الأمن السياسي بعمران الشيخ محمد حسن الشتوي، والذي قتل خلال الاشتباكات إلى جانب أخيه هادي الشتوي وعناصر آخرين.
ولفت المصدر القبلي إلى أن جماعة الحوثي دفعت حينها بتعزيزات كبيرة للانتقام من الشيخ مجاهد الغولي، وانتهت المعارك بمقتله وقام الحوثيين بسحله والتمثيل بجثته أمام أعين القبائل لترهيبها.
وخلال العامين الماضين تكررت سلسلة من الجرائم التي طالت المشايخ والوجهاء، ومن بينهم مقتل الشيخ أحمد السكني، والشيخ مصلح الوروري، مطلع العام 2021م في محافظة عمران، وفي نفس العام أيضا قتل الشيخ محمد علي سبتان على يد عصابة الحوثي الإجرامية.
ومازالت ميليشيات الحوثي حتى اليوم تمارس العنف الممنهج ضد القبائل من خلال تنفيذ حملات مسلحة تهدف إلى اطباق قبضتها على المناطق القبلية، إلى جانب افتعال وإثارة الصراعات بين القبائل من أجل اشغالها بنفسها وإضعاف دورها الاجتماعي.
صراع الأجنحة
تعرضت القبائل للكثير من الانتهاكات الحوثية في مناطق سيطرتها، وتُعد محافظة صعدة من أكثر المحافظات التي تعرضت للانتهاكات وجرائم القتل والتنكيل من قبل ميليشيات الحوثي.
وأفاد عدد من الوجهاء والناشطين المفرج عنهم من سجون ميليشيات الحوثي مؤخراً، أن قرابة 50% من المعتقلين القبليين من أبناء محافظة صعدة فيما البقية من المحافظات الأخرى.
وذكروا في حديثهم لـ"المجهر" عدداً من مشايخ صعدة البارزين ممن يقبعون في سجون الحوثي بصنعاء وهم؛ " الشيخ عبدالله بن مدر، والشيخ عبدالرحيم ربشان العامري، إلى جانب الشيخ أحمد ضيف الله حمدي، والذي كان يقوم بتدريس زعيم جماعة الحوثي المدعو عبدالملك الحوثي في مراحله الأولى، ومؤخراً صدر ضده حكم بالإعدام".
وتأتي هذه كنتيجة واضحة للصراعات الدائرة بين الأجنحة الحوثية المنطلقة من المعقل الرئيسي للجماعة، في ظل وجود تعتيم شديد حول ذلك من قبل قيادة الجماعة خشية توحد القبائل في مواجهة الانتهاكات الميليشاوية التي تطالها كل على حدة.
السيطرة على القبيلة
لا تتوقف الانتهاكات الحوثية بحق القبائل عند تصفية المشايخ والوجهاء أو الزج بهم في السجون، فقد وصل الأمر إلى اقتحام القرى وحرق ونهب المنازل وغيرها من الانتهاكات التي مارستها للانتقام من أبناء القبائل سواء من المعارضين لها أو ممن استغنت عن دورهم.
واستخدمت جماعة الحوثي طريقة انتهازية لتصفية المشايخ والوجهاء القبليين، ففي حال شعرت بأن أحدهم لم يعد مؤثرا على قبيلته ولم تعد تستجيب له فيما يخص التجنيد وحشد المقاتلين للجبهات، تقوم بتصفيته والتنكيل بقبيلته انتقاما من رفضها لأوامر الجماعة.
ففي أغسطس/ آب من العام الماضي، أقدمت ميليشيات الحوثي على تصفية أحد قيادتها الشيخ حيدر سعيد آل سعيد، بكمين مسلح في منطقة حوث بمحافظة عمران، وقيدت البلاغ ضد جهة قبلية أخرى بهدف اشعال فتيل النازعات بين القبائل.
وبشكل عام فالمشايخ والوجهاء البارزين الذين رفضوا الانصياع لتوجيهات الجماعة، تعرضوا للتصفية والتنكيل بقبائلهم وتم الزج ببعضهم في السجون، فيما تمكن قليل منهم من النزوح إلى مناطق بعيدة عن تركيز الميليشيات الحوثية.
وكما هو واضح، سعت جماعة الحوثي إلى إحداث خلخلة وانقسام في التركيبة القبلية سواء من خلال تحييد بعض المشايخ والوجهاء البارزين وإضعاف تأثيرهم أو من خلال تحييد القبائل نفسها من الوقوف خلف مشايخها.
كما سعت إلى تنصيب أتباع لها على رؤوس بعض القبائل بغرض السيطرة عليها والاستفادة من موقفها السياسي والعسكري والاجتماعي في تعزيز سلطتها الطائفية القائمة على القتل والدمار.
ومن أبرز القيادات القبلية التي دجنتها الجماعة في أوساط القبائل هم؛ الشيخ أحمد العقائل عضو مجلس النواب في عمران، وفي صنعاء لديها الشيخ نائف الأعوج في نهم، والشيخ فارس الحباري في أرحب، والشيخ يحيى القاضي في بني حشيش والشيخ يحيى علي عائض في همدان.. وآخرون غيرهم.
هؤلاء المشايخ والوجهاء جعلتهم جماعة الحوثي سيفها المسلط على القبائل، وأغرتهم ببعض الامتيازات والوعود التي هي في الأساس شكلية بينما في الواقع لا يجدون سوى الفتات من المكاسب التي تجنيها قيادات الصف الأول داخل الجماعة.
ومهما منحتهم الجماعة من صلاحيات في إطار المحافظات أو المديريات القائمين عليها، إلا أنها لا تمنحهم ثقتها وتعمد إلى تعيين مشرفين عليهم بصلاحيات أكبر من صلاحياتهم.
تصدع النسيج الاجتماعي
في الواقع، هناك من يرى أن عملية تفتيت القبيلة وتفريغها من دورها المؤثر بدأت مع احتدام الصراع الحزبي الذي مهد الطريق أمام جماعة الحوثي لاستغلالها سياسيا وعسكريا.
إذ يعتقد الشيخ جمال المعمري، أن الصراع الحزبي له دور في عملية استقطاب القبائل سياسيا وعسكريا، وأحدث ذلك شرخاً كبيرا في ظل الجهل لدى المجتمع القبلي ما جعله فريسة لأطماع الحوثيين بالترغيب مرة وبالترهيب مرات عديدة.
وبيّن المعمري في حديثه لـ"المجهر" أن "الحوثي استغل هذه الثغرات واشتغل عليها لهدم ما تبقى من مكانة القبيلة والدولة على حد سواء مستفيداً من الصراع الحزبي".
وعلى هامش البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد، يتكرر الحديث لدى عدد من قادة الرأي العام بتحميل ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م مسؤولية ما يحدث اليوم.
فيما يذهب الجانب الآخر إلى التأكيد على أن ما يحصل اليوم هو نتيجة واضحة لانقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر من العام 2014م.
وبطبيعة الحال، ساهم الانشغال وراء هذه المتاهة في تصدع النسيج الاجتماعي لا سيما في الوسط القبلي، وهو ما استغله الحوثيون لتوسيع نفوذهم وترسيخ سلطتهم الطائفية على حساب سلطة الدولة القائمة على النظام والقانون.
استعادة الدور القبلي
تحتاج القبيلة اليوم إلى إعادة ترتيب صفها الداخلي وتوحيد جهودها، خصوصا بعد تهجيرها والتنكيل المستمر بمشايخها ووجهائها من قبل ميليشيات جماعة الحوثي في عملية ممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي في التكوين القبلي يهدف إلى إخلاء الساحة لأتباعها.
وفي حقيقة الأمر، باتت القبيلة تفتقد إلى قيادة رشيدة تحتويها وتعيد توحيدها، وهذه مسؤولية ملقاه على عاتق الحكومة الشرعية في الجهة المقابلة باعتبارها الطرف الرئيسي لمواجهة ميليشيات جماعة الحوثي.
فقيادة الشرعية مطالبة اليوم بدعم القبيلة في محيط سيطرة ميليشيات جماعة الحوثي حتى تستعيد دورها، والعمل على توحيد الكيانات القبلية في صفها والسعي الحثيث إلى تحفيزها في إعلان النفير وتعبئتها للاحتشاد والقتال ضد الحوثيين.
وبلا شك سيكون هناك استجابة كبيرة من القبائل للالتفاف حول الشرعية وكسبها في صفها، في حال تم الاشتغال على هذا الجانب وبذلت قيادة الشرعية جهودا متواصلة وجادة في هذا الجانب.
فالقبائل اليوم، بأمسّ الحاجة لمن يساعدها في التخلص من خطر الجماعة الميليشاوية على نظامها القبلي، حيث وهي تدرك أنها مضطهدة من قبل الحوثيين جراء الانتهاكات التي طالتها، بما في ذلك من اقتحام للقرى والمناطق القبلية والتنكيل بالمشايخ والوجهاء وتفجير منازل خصومهم السياسيين من أبناء القبائل، وغير ذلك من الانتهاكات التي تستهدف كيانها.
تقديم التنازلات
كما نعلم أن جماعة الحوثي هي المبادر في هجومها على القبائل منذ البداية، ومع استمرار هذه الممارسات وتكثيفها أكثر فأكثر تطورت المسألة إلى صراعات محتدمة لم تعد القبائل تتقبلها.
فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، قدمت القبائل عدة تنازلات بدءاً من توقيعها على اتفاقية الخط الأسود التي فتحت الطريق أمام الميليشيات الحوثية للمرور في مناطقها، ثم اعترافها بحكومة الحوثيين وصولاً إلى اجبارها على التجنيد ودفع الاتاوات لدعم المشروع الطائفي للجماعة.
وبعد أن قدمت القبائل هذه التنازلات للحوثيين من أجل الحفاظ على كيانها القبلي، كانت المطالب والأطماع تزيد إلى حد لم يعد بمقدور القبيلة تفادي الصراع المباشر مع الجماعة.
اقرأ أيضا: 400 مليار سنويًا إيرادات المدينة الصناعية والتجارية “الحوبان” ..كيف ينهب الحوثيون موارد تعز ؟!
ويعتقد الصحفي سلمان المقرمي، أن " القبائل وصلت إلى مرحلة لم تعد تستطيع تقديم شيء وبدأت تصطدم بجماعة الحوثي خاصة في محيط صنعاء الذي بات مسرحاً للصدامات مع الحوثي إلى جانب عمران وذمار والجوف وصولاً إلى صعدة".
وفي حديثه لـ"المجهر" توقع الصحفي المقرمي، أن "كثرة هذه الصدامات ستعمل على إضعاف هيبة الحوثي في كونه يمثل دولة، وإضعاف قدرته على التجنيد وحشد الموارد التي تجعله في موقع المسيطر".
وأشار إلى أن ذلك ينسف فرضية أن جماعة الحوثي لديها حاضنة شعبية واجتماعية في مناطق سيطرتها، لافتاً إلى أنها من أهم التأثيرات الناتجة عن هذه الصراعات.
القبيلة كتلة صلبة
مما لا شك فيه أن جماعة الحوثي تنطلق من منظور ديني تقليدي شيعي وعرقي إلى حد كبير، وهو ما دفعها إلى ممارسة العنف لفرض أفكارها الدخيلة على المجتمع اليمني بقوة السلاح.
وفي هذا الجانب يبيّن الصحفي المقرمي، أن أي جماعة تمارس السياسة بالعنف ترى أي تجمع خطرا عليها مهما كان نوعه، وبالتالي يلجأ الحوثيون مباشرة إلى استخدام السلاح في مواجهة أي قضية يرونها خطرا عليهم.
وعلى مدى الثمان السنوات الماضية، أقدم الحوثيون على هدم وتدمير معظم التنظيمات الحديثة، بما في ذلك أجهزة الدولة وقوات الشرطة والجيش والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرها من التجمعات الحديثة التي نشأت مع قيام الجمهورية اليمنية في 26 سبتمبر 1962م.
ولم يتبق أمام الحوثي من كتلة صلبة غير النظام القبلي والذي هو أساساً يسبق قيام الجمهورية بمئات السنين، ولذلك هو يسعى اليوم إلى تدمير بنية القبيلة كونه يستشعر خطرها عليه.
وحتى لو لم يكن الخطر فعلياً فجماعة الحوثي تنظر لأي نشاط عام أو رأي أو موقف أو توجه خطرا عليها، كونها تتوقع أن هناك من يوظف هذه التنظيمات الاجتماعية والقبلية ضده وبالتالي يسعى لضربها.
عوامل المقاومة
من الضروري أن نصل إلى حقيقة أن كل العوامل التي تستوجب مقاومة جماعة الحوثي متوفرة، وما تقوم به القبيلة اليوم يجسد شكل من أشكال المقاومة بعد أن باتت لا تملك شيء تقدمه لتجنب الصراع مع الحوثيين.
إذ لم تعد ميليشيات جماعة الحوثي تكتفي بمهاجمة الأسواق والمدن فقط كما كان في السابق، فقد صارت اليوم تهاجم القرى التابعة للقبائل وتستهدف المشايخ والوجهاء كبارهم مع صغارهم، كما رأينا في همدان وبني الحارث وبني حشيش، والتي هي مناطق تحت سيطرة الحوثيين إلا أنها صارت في صراع معهم.
وبالتأكيد هذا كله دفع القبيلة للمقاومة الفردية، لكن المقاومة الفردية للقبائل كل على حدة غير مجدية، فرغم أن ذلك يستنزف الحوثي وينهك قوته إلا أنه لا يؤثر على صميمه كما لو توحدت الجماعات القبلية في مقاومته.
وذكر الصحفي سلمان المقرمي في حديثه لـ"المجهر"، إن "ما تحتاجه القبيلة هو تجاوزها للبعد القبلي إلى البعد الوطني في مواجهة الحوثي، وتقول: سنواجه الحوثي لأننا يمنيين وليس لأننا قبيلة همدان أو حاشد او غيرها من القبائل".
ويرى أن على القبائل القيام بتشكيل تحالفات فيما بينها حتى تتمكن من تفعيل دورها الوطني إلى جانب أهمية تحالفها مع مختلف المكونات المناهضة للحوثيين بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والإعلام وكذلك القيادات العسكرية والمنشقين عن جماعة الحوثي.
ومع أن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاسمة لجماعة الحوثي، إلا أن الوصول إلى هذه المرحلة يلزم أن تأخذ العوامل الطبيعية وقتها لانتقال القبيلة إلى تفعيل دورها الوطني.
بمعنى أن الانتهاكات ستستمر بحق القبائل التي دخلت في صراع مع الحوثيين إلى أن تصل إلى هذه المرحلة، لكن يبدو أن هناك مؤشرات ايجابية تدل على بداية لملمة صفوف القبائل فيما بينها لمقاومة الحوثيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
القبيلية..إلى أين؟
لا يختلف اثنان على أن القبيلة دفعت ثمناً باهضاً نتيجة موقفها من الحرب الدائرة في اليمن منذ ثمان سنوات، سواء في حال مساندتها لجماعة الحوثي والزج بأبنائها إلى جبهات القتال أو في حال رفضها ومقاومتها للحوثيين في صراعات لم يعد من السهل إيقافها.
ومن الواضح أن الحرب في اليمن أفرزت خريطة جديدة من التحالفات القبلية استفادت جماعة الحوثي من ظروفها خصوصاً بعد مقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وسعيها الحثيث إلى استقطاب القبائل الموالية لصالح إلى صفها.
في المقابل وجد الحوثيون أنفسهم في صدامات محتدمة مع تجمعات قبلية عدة لم يتمكنوا من فرض هيمنتهم في أوساطها، وهو ما تراه الجماعة خطراً يهدد سلطتها خشية من تشكيل تحالفات قبلية أكثر متانة ضدها .