الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

"رأس العارة" بوابة مفتوحة لتهريب الممنوعات إلى مناطق الحوثيين (تحقيق خاص)

"رأس العارة" بوابة مفتوحة لتهريب الممنوعات إلى مناطق الحوثيين (تحقيق خاص)

المجهر-غرفة التحقيقات الميدانية

ساهمت الأوضاع التي تمر بها اليمن بدرجة رئيسية في جعلها سوقاً خصبة لتجارة التهريب، وقد اتجهت ميليشيات جماعة الحوثي بشكل واسع إلى الاعتماد على عمليات التهريب لاستيراد الأسلحة وأدوات الحرب التي تحتاجها نتيجة الحصار المفروض عليها لأكثر من ثمان سنوات.

وازدهرت تجارة التهريب، منذ سنوات، عبر منافذ بحرية مختلفة من البلاد لا سيما ميناء رأس العارة الواقع غربي محافظة لحج جنوبي اليمن، حيث تجري عملية الإنزال هناك دون رقابة رسمية محلية ودون إشراف دولي أيضاً.

ومن الواضح أن قيادات السلطة المحلية والقيادات الأمنية في المحافظة لا تعير بالاً لمراقبة وضبط عمليات التهريب، على الأقل كمقابل للمبالغ التي يتحصلون عليها من عائدات الميناء إذا لم يكن حرصاً على أمن المنطقة التي هي مسؤوليتهم المباشرة.

وبالطبع هذا يضعنا أمام جملة من التساؤلات عن دور الحكومة الشرعية الغائب أمام ما يحدث في ميناء رأس العارة، خصوصاً في ظل الخلاف القائم بين قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض مشايخ ووجاهات قبائل الصبيحة حول تشغيل الميناء.

ميناء منفلت

يشكل موقع ميناء رأس العارة رغم صُغره أهمية استراتيجية في حال تم تطويره وتأمينه بعد أن أصبح ثغرة لتهريب البضائع الممنوعة إلى جماعة ميليشيات الحوثي المستفيد الأبرز من حالة التسيب والعشوائية الحاصلة في الميناء.

من خلال النزول الميداني، قام فريق "المجهر" بتقصي الحقائق وجمع قدر كبير من المعلومات حول ميناء رأس العارة، بما في ذلك نوعية البضائع المهربة التي تصل إلى مناطق الحوثي، وتأثيرها على الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي في اليمن.

وتبين لنا أن عمليات التهريب تمر وفق خُطط مدروسة تديرها عصابات منظمة بعيداً عن الرقابة، ومعظمها تتم في مراسي مغلقة تقع بالقرب من ميناء رأس العارة.

حيث كشف مصدر خاص لـ"المجهر" عن " وجود مواقع مغلقة ومسوَّرة في سواحل رأس العارة من غير الميناء المحدد، ولا يسمح لأحد بالدخول إليها ومعرفة ما يدور بداخلها ".

من بين هذه المواقع المغلقة يوجد موقعين بارزين:

  • الأول يقع في منطقة الحجاف غرب ميناء رأس العارة
  • والآخر يقع على سواحل قرية المنفاح، إضافة إلى مواقع أخرى مغلقة وكلها تستخدم لإنزال البضائع. 

وهذه البضائع التي يتم إنزالها لا يسمح لأحد بتفتيشها ومعرفة نوعيتها، وفقا للمصدر الذي أشار إلى أن معظم هذه البضائع تستخدم لأغراض عسكرية وتتولى عصابات منظمة مهمة نقلها عبر طرق التهريب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي.

موفد "المجهر" تحصل على صور لجزء من هذه البضائع المهربة أثناء نقلها من مواقع الإنزال إلى الشاحنات التي تقوم بتهريبها عبر طُرق ترابية في منطقة طور الباحة ومنها إلى مناطق ريفية في محافظة تعز خاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية.

بضائع مشبوهة

تلجأ بعض الدولة المصنعة للتخلص من البضائع الممنوعة من خلال تهريبها إلى الدول التي تشهد حروبا وصراعات مستمرة بما فيها اليمن.

وتتزعم عمليات التهريب أطراف إقليمية على رأسها إيران الداعم الرئيسي لميليشيات جماعة الحوثي وعدد من جماعات العنف في المنطقة.

ومنذ سنوات، اعتمدت عصابات التهريب ميناء رأس العارة محطة لعبور البضائع الممنوعة من خمور وعلاجات وأسمدة إلى اليمن، قبل أن يأتي الحديث عن تطوير واعتماد الميناء بشكل رسمي وما دار حول ذلك من خلاف.

من هذه البضائع المهربة هناك مادة كيميائية خطيرة اسمها "اليورياء" يتم تصدريها كسماد زراعي، في حين أثبتت تقارير أمريكية لمكافحة الإرهاب أن هذه المادة تستخدم في صناعة المتفجرات ووقود الصواريخ.

هذا إلى جانب الكثير من البضائع المحرمة دولياً يتم استيرادها وإدخالها إلى اليمن عبر ميناء رأس العارة ومنافذ التهريب الأخرى، منها ما يستخدم لرش أشجار القات والمحاصيل الزراعية.

وأوضح مصدر أمني داخل ميناء رأس العارة لـ"المجهر" أن "من بين البضائع التي تصل إلى الميناء، هناك مبيدات سامة ومدمرة للزراعة وسجائر وأدوية ومواد مخدرة بأنواعها".

هذه البضائع المشبوهة هي صفقات تجارية ينفذها تجار من محافظات صنعاء وعمران وصعدة، تهدف ميليشيات الحوثي من خلالها إلى إغراق الأسواق اليمنية بهذه البضائع. وفقاً لحديث المصدر الأمني الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب متعلقة بطبيعة عمله.

غياب الرقابة الحكومية

تُثار الشكوك حول الهدف من إنشاء ميناء رأس العارة، حيث يعتقد مراقبون أن الغرض من استمرار تشغيله هو استيراد البضائع المهربة إلى اليمن.

والمؤسف فعلاً أن هناك من يشير إلى أن مشايخ ووجاهات من أبناء الصبيحة هم من يقفون خلف تهريب هذه البضائع بعد جمركتها من قبل الجهات المسؤولة عن الميناء.

بحسب المصدر الأمني في الميناء، فإن مواطنين من أبناء المنطقة يمتلكون أجهزة اتصالات لا سلكية متطورة، تحصلوا عليها بطريقة أو بأخرى ضمن شحنات البضائع التي يتم إنزالها إلى الميناء.

ومن المرجح أن هذه الأجهزة صُرفت لمواطنين متعاونين مع عصابات التهريب من أجل ترتيب وتأمين عمليات نقل البضائع المهربة.

وفي الحقيقة، كل ما يدور في ميناء رأس العارة يدعو للريبة، فطبيعة العمل التي تسير دون تراخيص حكومية رسمية تضع علامات استفهام حول كل الأطراف المستفيدة من عائدات الميناء، مع استمرار تدفق صفقات البضائع المهربة لتجار في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي.

حيث أن كمية البضائع الواصلة إلى ميناء رأس العارة ليست بالهينة، فقد ذكر أحد تجار التهريب لـ"المجهر" أن قرابة عشرين حاوية تصل يومياً إلى الميناء بواسطة قوارب متوسطة الحجم، وغالباً لا أحد يعرف الوجهة التي قدمت منها هذه القوارب.

أثناء تجول موفدنا في محيط الميناء مع التاجر الذي حرص على عدم ذكر اسمه، أشار بيده على أحد القوارب مفيداً بأنه "يحمل بضائع حاوية واحدة فقط، وبلغت قيمتها أربعمائة ألف دولار". وفقا للفاتورة التي قال إنه أطلع عليها.

وبالطبع، فعلى كل تاجر دفع مبلغ مالي للقائمين على الميناء من أجل السماح بمرور بضاعتهم دون تفتيش، ما يعني أن هناك مبالغ طائلة يتم تحصيلها من تجار التهريب دون رقابة.

آلية التقاسم

كشف مصدر خاص لـ"المجهر" أن " إيرادات ميناء رأس العارة تبلغ شهرياً أكثر من ستمائة مليون ريال يمني تقريباً".

وفي الواقع، هذه الإيرادات تتقاسمها ثلاث جهات رئيسية:

  • نسبة 50 % تذهب لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ويأخذها قائد ما يسمى حزام الصبيحة وضاح عمر سعيد. وفقاً لحديث المصدر الأمني في الميناء.
  • ويستلم المدير العام لمديرية المضاربة ورأس العارة نسبة 30 % كميزانية لتنفيذ مشاريع خدمية وتنموية لصالح المديرية إلا أنها لا تعود بالفائدة على المديرية.
  • فيما تذهب 20 % لمحافظ محافظة لحج أحمد عبدالله التركي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشايخ وقادة أمنيين وعسكريين من أبناء المنطقة يستلمون مبالغ شهرية من عائدات الميناء تبدأ من مليون وتصل إلى خمسة ملايين ريال يمني، وكل هذه المبالغ تصل إلى المعنيين عبر شيخ المنطقة سلال محمد النمر.

كما أن لدى الشيخ النمر، نقطة بالقرب من الميناء يقوم بتحصيل 100 ريال يمني عن كل قطعة تخرج من الميناء، إلى جانب أن له نسبة من الثلاثة المستفيدين الرئيسين.

حكاية التقاسم هذه لم تعد تُخفى على أحد في المنطقة، ويبقى الخلاف بين المشايخ والقيادات المحلية والأمنية على مسألة إشراكهم بعملية التقاسم في ظل غياب سلطة الدولة عن دورها في ضبط الإجراءات الأمنية والإدارية داخل الميناء.

ولا يُستبعد أن تتحول هذه الخلافات إلى صراعات مسلحة بين القبائل والتشكيلات العسكرية أو بين القبائل ذاتها، في سبيل الحصول على نسبة من هذه العائدات التي أصبحت محل أطماع الجميع في حين يفترض أن يتم توريها إلى البنك المركزي اليمني.

أطماع قوى النفوذ

بدأ الخلاف على عائدات ميناء رأس العارة من منطلق مادي بدرجة أساسية، حيث تستغل المشايخ والوجهات القبلية غياب الدولة عن دورها في معالجة مثل هذه القضايا وضبط الأمن في عموم السواحل اليمنية.

وكما هو معلوم، مهمة ضبط عمليات التهريب تقع بدرجة أولى على عاتق السلطة المحلية والقوات العسكرية والأمنية بالمحافظة التي تبدو منشغلة بتقاسم عائدات الميناء مع مشايخ ونافذين في المنطقة.

هذه العائدات أثارت أطماع أطراف خارج دائرة التقاسم الأمر الذي أشعل الصراع في أوساط أبناء الصبيحة المكون القبلي الرئيسي لمديرية المضاربة ورأس العارة.

ويطالب المواطنون في رأس العارة باستغلال هذه العائدات لصالح مشاريع تنموية وخدمية في المنطقة.

وفي الوقت الذي يتحدث المواطنين في رأس العارة عن إيرادات الميناء التي لا تعود بالفائدة على المنطقة، يشتكي كثيرون في المنطقة من السمعة السيئة التي لحقت بالميناء لأنه بات وُجهة لتهريب البضائع الممنوعة.

تشغيل الميناء

بالرغم من وجود مساعي لتطوير ميناء رأس العارة عبر مستثمر يدعى عصام عبده هزاع الصبيحي، تمهيداً لتسليمه للحكومة الشرعية للإشراف المباشر على عمل الميناء، إلا أن قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي رفضت إجراء أي إصلاحات في موقع الميناء.

وفي هذا الجانب، ذكر قيادي في قوات حزام الصبيحة لـ"المجهر" أن "هناك أوامر عليا وبمذكرة رسمية إلى قائد قوات مكافحة التهريب وقائد اللواء الثالث حزام أمني، بإيقاف أي عمل يقوم به المستثمر عصام عبده هزاع، داخل الميناء".

وأرجع السبب وراء ذلك إلى تساهل عصام في متابعة معاملاته لأخذ ترخيص رسمي باعتماد ميناء رأس العارة حتى يسمح له بتشغيله وتطويره، كما لم ينكر حق أبناء الصبيحة في معرفة مصير عائدات الميناء.

وأكد المصدر التزام قوات حزام الصبيحة بالأوامر، وبالمقابل قال إنهم يتحاشون أي صدام بين الوحدات العسكرية أو أي قتال بين القبائل.

كما وجه الاتهام للمستثمر عصام، برفض التوجيهات وتجاهل نصائح قيادات الصبيحة، محذراً من محاولات اشعال الفتنة بين الوحدات العسكرية في المنطقة كونها تجمع أفراداً من مختلف قبائل الصبيحة.

لكن من الواضح، أن الجانب القبلي الذي يقف في صف المستثمر عصام، يتهم هو الآخر قيادات حزام الصبيحة بالوقوف ضد تشغيل وتطوير الميناء.

حيث أستمع فريق "المجهر" لعدد من مشايخ ووجهاء الصبيحة في إطار الرد على توضيحات قيادة حزام الصبيحة، بينوا خلال حديثهم أن " قيادات الانتقالي التي أصدرت قرار إيقاف العمل بميناء رأس العارة هي من تفتعل الصراعات بين أبناء الصبيحة وجرها للاقتتال فيما بينها".

وعبروا عن ترحيبهم بأي مستثمر سيقوم بتشغيل ميناء رأس العارة، بما يمنح قبائل الصبيحة حقوقها بخلاف الوضع الحالي القائم على تقاسم الإيرادات، معبرين عن أسفهم من موقف بعض قيادات الصبيحة المعارضة لذلك.

وجددوا مطالبتهم بحقوق أبناء الصبيحة من إيرادات ميناء رأس العارة، التي قالوا إنها " تذهب لجيوب قيادات في المجلس الانتقالي من يافع والضالع، فيما مناطق الصبيحة بأمس الحاجة للاستفادة منها".

كما طالبوا بضرورة إرسال لجنة حكومية لمباشرة إجراءات اعتماد الميناء، ودعوا قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى عقد تفاهمات مع أبناء الصبيحة.

ولم يخلو حديثهم من نبرة التهديد، فقد شددوا على أن " قبائل الصبيحة البالغة عددها 25 قبيلة هي من تمثل الدولة في مناطقها، ومثلما قاتلنا الحوثي ببنادقنا سنواجه الانتقالي ببنادقنا، ولا يمكن أن نسمح بتعطيل الميناء".

توسيع النفوذ

يأتي هذا التصعيد كنتيجة طبيعية لتصرفات المجلس الانتقالي الاستفزازية بحق أبناء الصبيحة، حيث ترى قيادات في الانتقالي أن مطالبة أبناء الصبيحة بحقوقهم من ميناء رأس العارة يعد تمرداً على الحزام الأمني وسلطة المجلس في المنطقة.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022م كلفت قيادة المجلس الانتقالي لجنة لوقف أي استحداثات في الميناء ونشرت قوات عسكرية ومسلحين قبليين من أتباعها على الشريط الساحلي في رأس العارة.

ويمارس مشايخ ووجاهات من أبناء الصبيحة محسوبين على الانتقالي، هذه الأعمال الخارجة عن القانون لغرض فرض النفوذ في الوسط القبلي غير مباليين بدور الدولة في ردعهم.

وتحت حجة الاصطفاف الجنوبي يقوم الانتقالي بفرض سيطرته والاستيلاء على الأراضي ونهب ثرواتها لصالح قياداته دون التفكير في توفير أبسط الخدمات مقابل ذلك.

ويبدو أن ذلك ليس من باب الصدفة، فهناك مخطط يهدف لتفتيت التكوين القبلي وزرع الفتن داخل أبناء الصبيحة لجعلهم أدوات في يد أطراف سياسية وعسكرية تقوم بدعمهم لخدمة مشاريعها في المنطقة.

وفي المجمل، لا يخفي أبناء الصبيحة سخطهم واستيائهم من تعامل القيادات الجنوبية الحالية تجاه شؤون المنطقة ومصالحها.

خلافات داخلية

أفرز الخلاف حول تقاسم عائدات ميناء رأس العارة، قضايا داخلية من شأنها أن تحدث تصدعاً كبيراً بين أبناء الصبيحة في حال لم يتم احتواءها، وهذا بالطبع يخدم مصالح تجار التهريب.

فقبل عام، وقعت خلافات حول تهريب البضائع من ميناء رأس العارة، وقتل على إثرها المواطن عدلي عمر الجبيحي، ونهبت سيارته وسلاحه على يد مسلحين من قبائل العلقّمة يتبعون المدير العام السابق لمديرية المضاربة ورأس العارة محمد الصيني.

وبعد ذلك، قام الشيخ سلال محمد النمر بوقف النسبة المخصصة لمديرية المضاربة ورأس العارة من عائدات الميناء كانت تدفع للمدير محمد الصيني، على ذمة قضية القتل التي أقدم عليها مرافقيه.

وبعد ضغوط مستمرة من أهالي القتيل للمطالبة بتسليم القتلة، أصدر محافظ لحج أحمد عبدالله التركي، قراراً بإقالة المدير الصيني بعد أشهر من إيقافه وتكليف مراد سيف جوبح، مديراً عاماً للمديرية وهو قيادي في ألوية العمالقة.

إلا أن الشيخ سلال، ظل مستمراً بحجز نسبة المديرية ولم يتجاوب مع مطالب الأهالي بتسليمها للمدير الجديد، ما جعلهم يفكرون بخطوات تصعيدية لإجباره على فتح الحساب المخصص لنسبة المديرية.

وأبلغ المدير جوبح، محافظ محافظة لحج أحمد التركي، سطو الشيخ سلال على نسبة المديرية المقدرة بـ 30 % طوال تسعة أشهر وقدر المبلغ بـ 300 مليون ريال يمني، منذ إيقافها.

ونهاية يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، وجه المحافظ التركي بحجز الشيخ سلال، حتى يقوم بتسليم المبالغ التي بحوزته من النسبة المخصصة للمديرية.

وبطبيعة الحال، هناك خلافات كثيرة تنشأ بين حين آخر حول ميناء رأس العارة لا سيما الخلاف الحاصل حول ملكية الأرض التي يقع فيها الميناء.

حيث أفاد مصدر قبلي لـ"المجهر" بأن الأرض التي بدأ العمل فيها لتشييد الميناء ما تزال محل خلاف، وتدعي قبيلة العوطف ملكيتها حسب التقسيم المتعارف عليه بين قبائل الصبيحة.

وأضاف المصدر أن رجال القبيلة متمسكين باستعادة الأرض التي تقع ضمن أمالكهم داخل موقع الميناء، كما هددوا بمصادرة أي زوارق أو بضائع تصل إلى المنطقة محل الخلاف.

صراع محتمل

بالعودة إلى جذور القضية القائمة على تشغيل وتطوير ميناء رأس العارة من قبل المستثمر عصام هزاع الصبيحي، والذي كان قد تقدم برؤية لمشروع تنموي يرتكز على تشييد مرسى واسع في رأس العارة وربطه بطريق مختصرة تصله مع خط طور الباحة.

إلا أن قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي تعمدت تحويل مسار القضية إلى خلاف شخصي، حيث يصرّ وزير النقل المحسوب على الانتقالي عبدالسلام حميد، على قرار وقف تنفيذ المشروع.

وهذا بالتأكيد يُعزز الانقسامات بين أبناء الصبيحة، فتجدهم بين مؤيد ومعارض لمشروع تأهيل الميناء الذي تبناه المستثمر عصام، أحد مشايخ المنطقة البارزين.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أصدر المستثمر عصام، بيانا توضيحاً حول ذلك، معتبراً " توجيه وزير النقل بإيقاف مشروع الميناء حرباً متعمدة على أبناء الصبيحة".

وفي الحقيقة، أي صراعات مسلحة حول مركز الإنزال الجمركي في رأس العارة، سيعود ضررها على أبناء الصبيحة، لا سيما وأن هناك أطراف تدفعها للتصارع فيما بينها سواءً بسلاح الجيش أو بسلاح القبيلة.

ولا تتوقف الصراعات حول إيرادات ميناء رأس العارة، فهناك صراعات حول مركز الإنزال السمكي في المنطقة بعد أن تم الاستيلاء عليه من قبل بعض قوى النفوذ القبلية المحسوبة على قيادات المحافظة.

وكما هو معروف، فقد قامت الجهات الحكومية ببناء مراكز للإنزال السمكي وجمعيات سمكية، لكن تم تهميشها لصالح مراكز خاصة استحدثتها جهات غير رسمية لغرض الاستفادة من إيراداتها الجمركية.

سلطة بلا مسؤولية

في مارس من العام 2020م تم الاتفاق على تشكيل قوات لمكافحة التهريب في سواحل رأس العارة بمحافظة لحج، على أن يتم اختيارها من القوات المشتركة تحت قيادة العقيد/ حمدي شكري، قائد اللواء الثاني عمالقة.

لكن، محافظ محافظة لحج أحمد عبدالله التركي، أصدر تكليفاً جديداً في أغسطس 2021م للعميد وضاح عمر، قائداً لقوات مكافحة التهريب إلى جانب كونه قائد ما يسمى الحزام الأمني للصبيحة التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي.

بعد ذلك نشبت خلافات بين العميد وضاح والمحافظ التركي، بعد أن اتهم وضاح المحافظ باختلاس 100 مليون ريال يمني كانت من حصة قوات مكافحة التهريب، إلا أن مكتب المحافظ نفى صحة ذلك ونشر صوراً لمبالغ الحوالات التي تم تحويلها لوضاح.

وعموماً، يتكرر السؤال مراراً حول مصير إيرادات ميناء رأس العارة، خصوصاً مع الحديث عن تجميدها وعدم التصرف بها بعد أن كانت تذهب إلى جيوب المسؤولين الحكوميين والنافذين من أبناء الصبيحة.

وبعض النظر عن مدى مصداقية تجميد عائدات الميناء من عدمه، تظل النقطة المهمة هنا في توظيف هذه العائدات لصالح مشاريع خدمية لأبناء المنطقة كأقل ما يمكن فعله لامتصاص غضب أبناء الصبيحة من ذهاب هذه العائدات دون الاستفادة منها.

كما لا بد أن نتساءل هنا، إذا لم تقم السلطات المحلية والأمنية بمحافظة لحج بدورها في وقف عمليات التهريب للبضائع الممنوعة، فما الداعي لبقائها بعد أن صارت عبئاً على المحافظة ولا تفكر سوى في أخذ الجبايات وتقاسم عائدات الميناء !؟

اقرأ أيضا: صنعاء: القبيلة في مواجهة تجريف الحوثيين للهوية اليمنية (تحقيق خاص)