تقرير خاص- عابد محمد
بعد ثمان سنوات من الحرب ما تزال المنافذ الرئيسية من وإلى تعز مغلقة تماما، حيث يفرض الحوثيون حصارا مستمرا على المدينة دون الحديث عن توجهات جادة لفتح تلك المنافذ في أي من مباحثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة المعترف بها دوليا، ومليشيا الحوثي الانقلابية.
الأمر الذي جعل سكان المدينة المحاصرة يضطرون إلى سلوك طرق بديلة تربطهم بالمحافظات الأخرى، ومثلت تلك الطرق المتهالكة الخيار الأوحد لإمداد أكثر من أربعة مليون نسمة بالغذاء والدواء، حيث اُعتبر خط تعز- التربة- لحج الشريان الوحيد لمرور شاحنات النقل التجارية وتنقل المسافرين.
هيجة "الموت"
يعد طريق هيجة العبد مدخل تعز الأساسي من أخطر الطرق ذات المنعطفات الخطيرة، وقد أدى وجود الطريق في نقيل وعر وضيق إلى حوداث سير متكررة وتكاد تكون شبه يومية، الأمر الذي فاقم من معاناة سكان المدينة المحاصرة طيلة السنوات الماضية.
يتحدث أحد سائقي الشاحنات التجارية لـ"المجهر" قائلا: طريق هيجة العبد أو بالأصح يجب أن نسميه طريق هيجة الموت هو كابوس بالنسبة لمن يمر فيه خصوصا سائقي شاحنات النقل الثقيل الذين يتكبدون خسائر فادحة بسبب الحوادث المتكررة"
ويضيف السائق الذي فضّل عدم ذكر اسمه أن هناك جهات مستفيدة إلى جانب مليشيا الحوثي من استمرار إغلاق المنافذ، مشيرا إلى أن نقاط الجبايات المنتشرة يجني من خلالها نافذون أموالا طائلة دون أن تساهم تلك المبالغ في إصلاح ولو جزء بسيط من الطريق المتهالك.
ويذكر أن طريق هيجة العبد أحد أخطر الطرق المخصصة لتنقل المسافرين ومركبات النقل الخفيفة، وبفعل الحصار التي فرضته مليشا الحوثي على المدينة وإغلاقها للمنافذ الرئيسية أصبح هذا النقيل المخيف جزء من شريان تعز الوحيد، ومع استمرار الحركة فيه، تعرض للتشققات الخطيرة.
وقد طالب أبناء تعز ومنظمات مجتمع مدني وجهات متعددة، الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية، والمعنيين بضرورة التدخل وعمل صيانة ومعالجة لهذه التعثرات لكن تلك المطالبات ظلت دون أي استجابة.
وبفعل الإهمال توسعت خطورة هيجة العبد وتوسعت معها ظاهرة الحوادث وانقلاب الشاحنات التجارية وتوقف حركة السير بشكل متكرر طوال السنوات الماضية، وتصاعدت الأصوات الشعبية المطالبة بإصلاح هذا الطريق حتى استجابت الحكومة شكليا وقامت بعمل صيانة طارئة وإسعافية للطريق في العام 2019.
مشروع متعثر
في العام 2020 أعلنت الحكومة عن إنزال مناقصة لصيانة طريق هيجة العبد بتكلفة إجمالية أكثر من 450 مليون ريال كحالة إسعافية بعد عامين من المعاناة، لكن التنفيذ بدأ بشكل متقطع ومتذبذب ما أدى إلى توقفه بعد أشهر قليلة دون أي إيضاحات.
وبحسب مصدر خاص في صندوق صيانة الطرق تحدث لـ"المجهر" فإن التوقف المفاجئ والعراقيل المستمرة في المشروع ناتجة عن خلافات إدارية ومالية؛ موضحا أن الأمر قد يكون له أبعاد أخرى ربما سياسية.
ويوضح المصدر أن توقف المشروع كان نتيجة ضغوطات عليا من دول التحالف العربي، مشيرا إلى أن السعودية عبر برنامجها لإعادة أعمار اليمن ألحت وأصرت على الحكومة على ضرورة استلام مشروع نقيل هيجة العبد، والتكفل في عملية صيانة هيجة العبد وإصلاحه بشكل كامل وليس الاكتفاء بمجرد صيانة طارئة.
اقرأ أيضا: تعثر المفاوضات بين السعودية والحوثيين.. هل تنذر بجولة صراع جديدة في اليمن؟
ويؤكد المصدر أن الحكومة والصندوق وافقا على ذلك، في حين تعمد البرنامج السعودي لإعادة الإعمار المماطلة والتسويف، وهو ما يعتقد بأنه ديدن السعودية في مشاريعها تجاه اليمن حين تتخذ سياسة النفس الطويل والتريث في مشاريعها دون مراعاة للظرف القاسية التي يعيشها السكان.
وخلال فترة طويلة امتدت لعدة أشهر شرع البرنامج السعودي في عملية اتخاذ الإجراءات والمناقصة والترتيبات لبدء مشروع الصيانة الشاملة، بالتزامن مع استمرار المعاناة والحوادث وتوقف حركة السير في الشريان الوحيد للمدينة المحاصرة.
وفي منتصف العام الماضي 2022م تم تدشين مشروع صيانة نقيل هيجة العبد رسميا بحسب عقد مع شركة الفيصل للمقاولات الشركة ذاتها التي تعمل حاليا بوتيرة عالية في خط الكدحة- المخا إلا أن المشروع لم ير النور على الرغم الضغوط واستمرار المناشدات الشعبية.
ويعتقد أحد المهندسين أن التأخير ناتج عن جوانب فنية، وحسابات مالية وتقنية حول آلية وطرق التنفيذ والتوقيت بين الجهة المانحة والشركة المنفذة، فيما يرى مراقبون ونشطاء أن التأخير له أهداف سياسية بحتة.
الشريان الجديد "زريقة الشام"
مع استمرار حصار مدينة تعز من قبل الحوثيين، والضغط الكبير على المنفذ الوحيد وشريان تعز الوحيد تعز التربة عدن، علاوة عن الصعوبات التي يواجهها المسافرون وشاحنات النقل أثناء المرور عبره، والتعثر المستمر لعملية صيانه وإصلاحه، اتجهت الأنظار نحو التفكير في منفذ آخر.
وأطلق حينها نشطاء ووجاهات اجتماعية وتجار في تعز المحاصرة مبادرة مجتمعية لشق طريق بديل وأسهل، في محاولة للتخفيف من معاناة سكان المدينة والتقليل من الضغط على شريانها الوحيد ( تعز- التربة- عدن).
وفي مطلع العام 2021 بدأ العمل في الشريان الجديد بطول 165 كم بجهود ذاتية ودعم مجتمعي وشعبي واسع، وبمتابعة واهتمام ملحوظ من قبل سلطتي تعز ولحج المحليتين، وتم الاتفاق على أن يبدأ طريق "زريقة الشام" من مفرق الصافية غرب تعز مرورا ببني عمر في مديرية الشمايتين إلى بني محمد وزريقة الشام والجمرك والمجزاع في لحج وصولا إلى رأس العارة ثم مدينة عدن.
ومثّل المشروع نافذة أملٍ جديدة لسكان تعز لما له من أهمية بكونه يمر عبر بيئة سهلية غير وعرة ويتضمن مسافة أقرب للعبور من المنفذ السابق (هيجة العبد)، ويربط تعز بلحج وعدن عبر شريط بري ومن ثم ساحلي في رأس العارة قرب باب المندب وصولا إلى عدن.
وقد استمر العمل في هذا المشروع أكثر من عام رغم شحة الدعم والإمكانات المحدودة والاعتماد الكامل على دعم التجار وأهل الخير ومساهمات مجتمعية وشعبية ومدنية دون أن يكون هناك أي تمويل حكومي رسمي.
توقف مفاجئ
في منتصف العام 2022 توقف مشروع طريق "زريقة الشام" بشكل مفاجئ بعد إنجاز أكثر من ثلثي المشروع، إذا توقف شق الطريق في ثلثه الأخير في محافظة لحج من قِبل سكان تلك المناطق بإيعاز من المجلس الإنتقالي الجنوبي المطالب بفصل جنوب البلاد.
وأرجع "الانتقالي" أسباب إيقافه للمشروع آنذاك بذريعة أنه يبدي مخاوف من أن يستخدم الشريان الجديد لأغراض عسكرية، حد زعمه، وحاول محافظ لحج أحمد تركي التدخل من أجل استئناف شق الطريق لكن تلك المحاولات لم تثمر على الرغم من قدرته على تسهيل الإجراءات وتذليل الصعوبات خلال المراحل الأولى للمشروع.
مصدر في سلطة لحج المحلية يتحدث في تصريح خاص لـ"لمجهر" عن السبب الأساسي خلف عرقلة وإيقاف المشروع، قائلا أن المجلس الانتقالي هو من يقف خلف إيقافه عن طريق تحريك بعض الأهالي والسكان في تلك المناطق الحدودية والدفع بهم لمنع تمرير الطريق، تحت مبررات عديدة أهمها عن وجود ثارات ونزاعات وخلافات أسرية ناتجة عن الوارثة لتلك الطرق والوديان.
ويشير المصدر إلى أن الهدف الاساسي من ذلك هو عدم فتح منافذ بديلة لمدينة تعز، وعدم حصولها على ممرات اقتصادية متعددة، والإبقاء على طريق التربة هيجة العبد طور الباحة عدن كمنفذ وحيد.
ويرجح المصدر إضافة إلى تلك الأسباب أن إيقاف المشروع جاء نتيجة حسابات سياسية ومناطقية، ووجود تخوفات من قبل المجلس الانتقالي لأي توجهات مستقبلية مناطقية تنعكس سلبا على سيطرته في الجنوب وتؤثر على مشروعه.
طور "الجبايات"
منفذ طور الباحة، هو المنفذ الوحيد لتعز والذي تمر عبره شاحنات النقل التجارية إلى مدينة تعز، حيث يعتبر هذا الطريق مصدر دخل مالي كبير للنافذين وتتواجد على امتداده عدة نقاط تستوقف شاحنات نقل البضائع، وتفرض عليها جبايات باهضة تصل إلى ملايين الريالات يومياد
ويذكر أن تلك النقاط التحصيلية تم استحداثها أواخر العام 2019، وتتبع قوى وشخصيات عسكرية وقبلية معظمها تابعة لأدوات وأذرع المجلس الانتقالي بطور الباحة، ويعمل الانتقالي عبر أدواته وشخصيات قبلية أخرى هناك على استفزاز ومضايقة المسافرين على اعتبارات مناطقية.
ويرى المجلس الانتقالي وبعض القوى الأخرى ضرورة ممارسة الضغط على مدينة تعز، وتضييق الخناق عليها اقتصاديا بدرجة كبيرة، واللعب على وتر ارتفاع معاناة سكانها لأغراض سياسية محددة.
اقرأ أيضا: شرطة الأخلاق.. كيف حولت مليشيا الحوثي صنعاء إلى نسخة من طهران؟
ويعتقد السائق صادق النقيب (اسم مستعار) أن القوى المسيطرة على طريق طور الباحة لو أمكنها أن تغلقه لفعلت لكنها تحرص على إبقائه مفتوحا كونه يدر عليها أموالا طائلة من الجبايات المفروضة على شاحنات النقل التجارية، ويشر إلى أن للإنتقالي نصيب الأسد من تلك الاموال عن طريق أدواته وأذرعة في المنطقة.
ويضيف النقيب " نتعرض لمضايقات بشكل يومي من قبل تلك النقاط، ويوم أمس الثامن والعشرين من فبراير تم احتجاز عشرات مقطورات الغاز القادمة إلى تعز ولا ندري ما هي الدوافع والأسباب، علما بأنها ليست المرة الأولى إذ يتم احتجاز الشاحنات بشكل متكرر في طور الباحة".
المنفذ البديل (الكدحة- المخا)
مع التغييرات الأخيرة في الشرعية وتشكيل المجلس الرئاسي منتصف العام الماضي، ووفق طبيعة الميدان والقوى المؤثرة على الأرض وتقاسم جغرافية المناطق المحررة، اتجه المجلس لفرض نوعا من التوازن المناطقي والقيادي.
وقد أُسند ملف إدارة تعز إلى عضو الرئاسي طارق صالح، المسيطر بقواته وتشكيلات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي للمحافظة، الذي كان قد بدأ بتفاهمات وتنسيقات ما قبل المجلس الرئاسي، ولو كانت بطيئة مع سلطات تعز المدنية والعسكرية والسياسية.
وتوسعت دائرة التواصل والتنسيق بين العميد والمكونات الأخرى خلال الفترة القليلة الماضية مع وجود بعض التحفظات لدى الجميع وباستشعار وتقدير كامل من الجميع لتجنب أي إشكاليات وانعكاسات سلبية.
وحاول طارق صالح بمختلف الطرق المباشرة وغير المباشرة على امتداد العامين الماضيين، الشروع في خوض عملية عسكرية بعيدا عن القيود والحسابات الخارجية، في محاولة لتحقيق شيء على الأرض خصوصا في محافظة تعز لكسب حاضنة شعبية واجتماعية.
وقد اتجه أواخر العام الماضي وبدعم وتمويل من دولة الإمارات نحو عملية شق طريق الكدحة المخا، وهي طريق بديل تربط مدينة تعز بريفها الغربي وصولا إلى ساحلها المخا وتستغرق وقتا أقل مقارنة بغيرها من الطرق.
ويمشي العمل في طريق الكدحة بوتيرة عالية على أعتبار أن جهات عدة ترى فيه بديلا عن الإتجاه لتحرير ما تقبى من المدينة وخصوصا في مناطقها الشرقية المتمثلة بمنفذ الحوبان حتى لحج، وأيضا لكونه يمثل أهمية كبيرة وشريان جديد ومدخل اقتصادي يربط تعز ويجنبها معاناة هيجة العبد والمضايقات في طور الباحة.
وبحسب مراقبون ونشطاء فإن الهدف من ذلك هو ربط تعز بالمخا سياسيا واقتصاديا، مستدلين بأن شركة الفيصل للمقاولات التي تنفذ طريق الكدحة- المخا هي ذاتها التي تعثر عملها بشكل متعمد حين استلمت ملف صيانة طريق هيجة العبد وتم بعدها توقيفه بشكل مفاجئ.
آمال ومخاوف
يرى نشطاء أن طريق الكدحة ربما يوقف عملية التحصيل غير القانونية التي تقوم بها النقاط في طور الباحة، إذا بدأ مرور الشاحنات فيه منذ أول أمس السابع والعشرين من فبراير من العام الحالي.
ويعتقد الناشط عمر التميمي وجود مخطط لربط مدينة تعز بالمخا سياسيا واقتصاديا وعسكريا بدرجة كبيرة، مشيرا إلى أن المشاريع والحراك التنموي التي تشهدها مدينة المخا يؤهلها لأن تصبح عاصمة تعز السياسية.
ويضيف التميمي أن المجتمع الدولي وأطراف أقليمية ترى في ضرورة إبقاء تعز كما هي محاصرة دون أن تمتلك مقومات فعلية تمكنها من فك الحصار عنها والهدف من وراء ذلك سياسي وعسكري في آنٍ واحد.
يكتنف سكان المدينة المحاصرة آمال بأن تساهم طريق الكدحة المخا في التخفيف من معاناتهم التي امتدت لسنوات وفي الوقت ذاته يبدون مخاوفهم من أن يدخل هذا المنفذ ضمن حسابات سياسية تلقي بظلالها على المأساوية التي يعيشونها.
ويذهب آخرون للحديث عن انفراجة قادمة فيما إذا تم فتح ميناء المخا وتم الاستيراد عبره كون مرور شاحنات النقل التجارية من العاصمة المؤقتة عدن إلى المدينة سيكلفهم ضعف المسافة التي يقطعونها عبر المنفذ الآخر وبالتالي سيؤثر ذلك على أسعار الغذائية والمواد التموينية.